القائمة الرئيسية

الصفحات

التعليم عن بعد


مقدمـــــــــــة:

      في آخر مقالاتها؛ نشرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونسكو، تقريرا أنه يوجد ما يقارب من 260 مليون طفل لم يتمكنوا من التعليم في السنوات الثلاثة الماضية. وأوضحت المنظمة الأممية، أن هذا العدد قد يتفاقم بسبب جائحة كوفيد-19.
      ويمثل ذلك العدد 17 % من الأولاد في سن الدراسة، ومعظمهم في جنوب آسيا ووسطها وأفريقيا جنوب الصحراء. وأفاد التقرير بأن التفاوت تفاقم مع وصول أزمة كوفيد-19 التي أدت إلى تأثر 90 % من التلاميذ حول العالم بإغلاق المدارس.
      وللحد من هذه الظاهرة الخطيرة فقد شرعت المؤسسات التعليمية والجامعات والمعاهد في البحث عن حل بديل جزئي ومؤقت يمكن المنقطعين عن الدراسة من مزاولة دروسهم بهذا الحل وهو التعليم عن بعد ووضعت خطط لتسيير التدريس وشاركتها مع أولياء الأمور ومع الطلبة، فيا ترى ما هي هذه الخطط؟ وما هو التعريف عن بعد؟ وكيف يساهم التعليم عن بعد في مواصلة التدريس في ظل الأوضاع الصحية الراهنة؟ بالتالي ماهي أهميته، أهدافه؟ خصائصه وعيوبه؟ وهل مبررات استعمال التعليم عن بعد كافية لاستبدال التعليم التقليدي به؟ التعليم عن بعد في الجزائر، هل يمكن تحقيقه فعليا؟ وإذا كان طرح الإشكاليات لازما في البحوث العلمية فإن التخطيط المحكم لها ألزم لذلك سنتبع خطة كالتالي:
مقدمة افتتاحية، تعريف ومصطلحات التعليم عن بعد، أهداف التعليم عن بعد، وأهميته، عيوبه، وفي المبحث الثاني نطرح إشكالات حول: كيفية تأثير فيروس كورونا في التعليم، ونل التعليم عن بعد في هذه الحالة اختيار أم ضرورة لا بد دنها؟ ثم نطرح إشكال إمكانية التعليم عن بعد في الجزائر وبعدها تقديم قراءة في استطلاع وسبر للآراء لمجموعة من الطلبة لإظهار مدى قابلية الوسط الجزائري لتطبيق التعليم عن بعد. لننتقل بعدها إلى خاتمة تلخص مجمل ما جاء في البحث وبعض الاقتراحات للمضي بالتعليم عن بعد به قدما.

المبحـــــــــــــــــث الأول: التعليم عن بعد؛ تعريفه، ظروفه، أهميته وعيوبه.

المطلب الأول: ما هو التعليم عن بعد؟

      التعليم الافتراضي، التعليم المستقل indépendance éducation, أو التعليم المفتوح Open éducation, التعليم غير المباشرindirect learin... هذه المصطلحات وأخرى تصب في نفس المصب وهو التعليم عن بعد.

      وتعرفه اليونيسكو على أنه: “ الاستخدام المنظم للوسائط المطبوعة وغير المطبوعة التي تكون معده إعدادا جيدا من أجل جسر الانفصال بين المتعلمين والمعلمين , وتوفير الدعم للمتعلمين في دراستهم ”.

وفي تعريف آخر فإن:

      التعليم عن بعد هو ذلك التعليم الذي يعتمد على مفهوم النهج العام الذي يضم مجموعة من المناهج التعليمية في نظام يسمى نموذج ، بحيث يسمح هذا النظام بوضع المناهج الدراسية في صورة إلكترونية، فيمكن المتعلم من الوصول إليها والاختيار والمفاضلة بينها ويعتمد هذا النوع من التعليم اليوم على مبدأ الاتصال المباشر عبر الأقمار الصناعية إلى أجهزة الاتصال والاستقبال والانترنيت التي ازدهرت برامج التعليم عن بعد عبرها مؤخرا بصورة ملحوظة.

 أما إذا أردنا تعريفه إجرائيا فإنه: “ذلك النوع أو النظام من التعليم الذي يقدم فرص تعليمية وتدريبية إلى المتعلم دون إشراف مباشر من المعلم ودون الالتزام بوقت ومكان محدد لمن لم يستطيع استكمال الدراسة أو يعيقه العمل عن الانتظام في التعليم النظامي ويعتبر بديلا للتعليم التقليدي أو مكملا له، ويتم تحت إشراف مؤسسة تعليمية مسئولة عن إعداد المواد التعليمية والأدوات اللازمة للتعلم الفردي اعتمادا على وسائط تكنولوجية عديدة مثل االهاتف، الراديو، الفاكس، التليفزيون، الكمبيوتر، الأنترنت... التي يمكن أن تساعد في الاتصال بين الاتجاهين (المتعلم، وعضو هيئة التدريس).


المطلب الثاني: ظروف التعليم عن بعد

      للحديث عن التعليم عن بعد يجب ان تتوفر ظروف تسمح بتجسيده في الواقع نذكر منها:

  • - توفر تدفق انترنت ملائم، جيد سريع و دون انقطاع مفاجئ، هذا ما يسمح بمتابعة الدروس و خصوصا البث المباشر للحصص.
  • - توفر تغطية انترنت جيدة في المناطق المعزولة.
  • - توفر الاجهزة الالكترونية اللازمة بالنسبة للطلبة و كذلك للأساتذة المؤطرين.
  • - تمكن المستخدم و تحكمهم في الوسائل التكنولوجيا.
  • - انشاء منصات او مواقع خاصة لتنظيم تلقي الدروس و تخصيص لجنة علمية لمراقبتها.


المطلب الثالث: أهداف وأهمية التعليم عن بعد

1- أهداف التعليم عن بعد:

       إن تحديد أهداف التعليم عن بعد أمر ضروري حيث أنه لا يكون بديلا عن التعليم النظامي وإنما يشكل مع أنظمة التعليم الأخرى منظومة متكاملة بما يسهم في تطوير أساليب التدريس والبعد عن التلقين كما يُسهم في تنمية طرق التفكير والتعلم.

      كما أنه يعتمد على عدة برامج منها الصوت والصورة أو تكنولوجيا الصوت أو البرامج المطبوعة والمضغوطة والتي تساعده في الوصول إلى أهدافه المنشودة وهي كثيرة ومتعددة يمكن تلخيصها في ما يلي:

  • - توفير التعليم الجامعي للأشخاص الأقل حظا؛ سواء كان من حيث ضيق الوقت أو بعد المسافة أو الأمراض الجسدية وكذلك عدم توفر المقاعد الكافية في الجامعات، أو في حالات استثنائية أخرى كالتي مر بها العالم مؤخرا وهي انتشار وباء جائحة كورونا كوفيد 19.
  • - كما يهدف إلى رفع مستوى الأساس المعرفي للعاملين في حقل التعليم الجامعي.
  • - جعل المتعلم محور العمليات التعليمية التعلمية.
  • - ترقية وتطوير طرق التعليم وجعله تفاعليا لا تلقينيا.
  • - التنويع والتغيير في التعليم والتعلم.
  • - تحقيق مفهوم جديد للتربية يتلاءم مع الانفجار المعرفي والثورة العلمية والتكنولوجية التي يعايشها العصر الحاضر.
  • - فتح مجالات لبعض التخصصات المستحدثة المزدوجة والبينية التي يحتاجها المجتمع والتي ال تسمح نظم الكليات التقليدية بتحقيقها.
  • - تقديم البرامج الثقافية لكافة المواطنين وتوعيتهم وتزويدهم بالمعرفة.

2- أهمية التعليــم عن بعــد:

      إن التعليم عن بعد طريقة حديثة ومستجدة في التعليم ولابد من أن له أهمية كبيرة يمكن الإشارة في النقاط التالية:

  • - اختصار الوقت
  • - جعل فرص التعليم متكافئة بين الراغبين في التعلم
  • - التمكن من دراسة العديد من التخصصات البينية.
  • - توفير المال والتخلص من الكلفة العالية للتعليم التقليدي.
  • - عدم تعليق الدراسة عند الازمات الصحية والازمات الأخرى.
  • - التعليم عن بعد يمنح فرصا متكافئة للطلبة خصوصا المقيمين في المناطق المعزولة.
  • - يمنح حرية كبيرة، من ناحية البحث و الفهم.
  • - يفتح آفاق كبيرة عكس التعليم التقليدي الذي ينحصر في مجال واحد.
  • - التنويع بين التعليم المكتوب و السمعي و حتى السمعي البصري.
  • - يوفر امكانية الدراسة في جامعات مختلفة عبر العالم. و عدة في عدة مجالات في الوقت ذاته.


المطلب الرابع: عيــــوب التعليــــــم عن بعد

      إن التعليم عن بعد رغم ما يبدو عليه من إيجابيات إلا أنه لا يخلو من العيوب والسلبيات أيضا من أهم عيوبه التي يجب الوقوف عندها نجد:

  • - يُمكّن للحرية التي يوفرها التعليم عن بعد بأن تصبح نقطة سلبية، و ذلك لسوء استغلالها و عدم الوعي بحدودها.
  • - الخمول و الادمان الذي تسببه وسائل التواصل الاجتماعي قد يمتد للتعليم عن بعد،و يجعل الطالب يدخل في جو من العزلة و الانغلاق عن المجتمع.
  • - التشتت و عدم التركيز في مجال واحد.
  • - المشاكل الصحية و النفسية التي تسببها وسائل التواصل، كالسمنة التي يعاني منها خصوصا المجتمع الأمريكي والامراض النفسية كالاكتئاب وحتى التوحد.
  • - الامراض التي تسببها الشاشات، كضعف البصر و جفاف العينين و آلام الظهر و حتى الاصابع، الصداع و غيرها...
  • - عدم توفر المناخ والجو الملائم، بسبب ارتفاع عدد الاطفال في العائلات ونقص إمكانيات الأسرة في توفير غرف فردية.
  • - صعوبة الفصل بين التعليم عن بعد ووسائل التواصل الاجتماعي. فغالبا ما تشتتنا وناقص من صرامة التلقي. و تذهب لأبعد من ذلك بحيث تأثر على مشاعرنا بفعل الاخبار و المنشورات.

المبحــــــث الثـانـــــــــــــــــي: إشكاليـــــــــــــــــات التعليم عن بعد

المطلب الأول: كيف أثر فيروس كورونا على التعليم، و هل اصبح التعليم عن بعد خيار ام ضرورة؟

      منذ بداية انتشار وباء فيروس كورونا اهتز النظام العالمي في شتى المجالات، فقد فرض هذا الوباء عزلة اجبارية على الأفراد وأهم مكان تجمع توقف نشاطه هو الجامعة أو المدارس بمختلف مستوياتها، و هذا ما جعل توقيف التعليم أمر ضروري للحفاظ على سلامة البشر.

      في الدول المتقدمة لم يكن التأثير كبيرا، فقط استمرت الدروس عن بشكل عادي و حتى إجراء الامتحانات، لأننا أمام بلدان مهيأة تكنولوجيا. أما بالنسبة لنا فقد حدث انقطاع في الدروس واغلاق للمدارس. رغم محاولات بعض الجامعات في تقديم الدروس عن بعد لكن المناخ العام للبلد لا يسمح بتحقيق ذلك بشكل عادي.

     والاجابة عن الجزء الثاني، و مع التطور الهائل الذي يحدث في العالم نجد أن التعليم عن بعد أصبح واجبا في ظل هذا الوباء لكن مستقبلا سنشهد تراجعا كبيرا التعليم التقليدي و بروزا مهما طاغيا للتعليم عن بعد. لما يتضمنه من سهولة و راحة ووفرة في المادة العلمية.

المطلب الثاني: التعليم عن بعد في الجزائر، هل يمكن تطبيقه فعليا؟

      من خلال أزمة كورونا التي نعيشها تعمقت الحاجة التطبيق التعليم عن بعد، و هذا ما جعلنا ندرك الأمر ليس مستحيلا بل يصعب تطبيقه بشكل جدي.

 أولا من ناحية تذبذب تدفق الانترنيت و بطئها اذ لم نقل انقطاعها أحيانا او في بعض المناطق.

عدم تمكن كل الطلبة من امتلاك حواسيب .و هنا يدخل دور الجامعة كما حدث مؤخرا في جامعة السوربون بفرنسا حيث تكفلت الجامعة بشراء حواسيب للطلبة الذين لا يملكونها.

نقطة اخرى بالنسبة للأساتذة خصوصا الاساتذة من الجيل القديم الذين ليست لهم علاقة جيدة بالتكنولوجيا وجب تأطيرهم في هذا المجال. بتنظيم دورات تدريبية لهم.

بالنسبة الطالب أيضا، فهناك طلبة غير مهيئين لتلقي التعليم عن بعد، و هذا يتطلب وقتا لتعودهم عليه و يتطلب ايضا توعية بأهميته و ضرورته.

المطلب الثالث: استطلاع رأي حول أي التعليمين يفضل الأغلبية من الطلبة:

في محاولة لمعرفه أيهم أحسن في رأي الطلاب؛ هل التعليم التقليدي أم التعليم عن بعد، قمنا باستطلاع رأي على مجموعة من الأشخاص عددهم حوالي 60 شخصا، فكانت النتيجة كالتالي:

- 10 منهم لزموا الحياد ورأوا أنهما مكملين لبعضهما البعض

- 32 طالبا اختاروا التعليم التقليدي.

-18 طالبا اختاروا التعليم عن بعد.

      اي حوالي 64 % من الطلبة، اختاروا التمسك بالتعليم التقليدي، وقد فسر ذلك بعض منهم بأن التعليم عن بعد صحيح أنه قد يكمل التعليم التقليدي إلا أنه من المستحيل أن يحل محله، وآخرون رأوا بأن التعليم لا يمكن أن يتم بعدم الحضور الفعلي في القسم والمناخ المتعارف عليه بمدرس وطلبة و... أما آخرون فقد فسروا خيارهم بأنهم لم يعتادوا على التعليم عن بعد ولعدم امكانياتهم التي تسمح بضمانه خاصة في الجزائر.

اما البقية 36% اتجهوا لاختبار التعليم عن بعد، لما وجدوا فيه من سهولة و ربح للوقت و امتلاكهم الإمكانيات اللازمة لمواكبته.

و هذا ما يؤكد صعوبة تطبيقه و أن الطلبة غير مهيئين له.

الخاتمــــــــة

     وفي الأخير ورغم كل عيوب التعليم عن بعد إلا أنه لابد من دعم العملية التعليمية التي تتطلب إيجاد مناخ تعليمي مناسب يعي ويستوعب الإمكانيات الحديثة لأسلوب التعليم عن بعد وتكنولوجيا الوسائط المتعددة والمعامل الافتراضية، والمكتبات الإلكترونية لتحسين المتغيّرات المستقبلية لمنظومة التعليم، ولكي نكون بشرا قادرين على مواكبة العصر وتحقيق التنمية الشاملة وتخطي الأزمات وخاصة الأزمات الصحية كما حدث هذه السنة.

كما أن إنشاء جامعة للتعليم عن بعد يجب أن تكون قضية ذات أهمية بالغة للجميع، فهناك العديد من المواقع الإلكترونية التي توفر لكل من المُخطِّط ومتّخذ القرار كل ما يحتاجه من معلومات، وخطط عمل، ورؤى مستقبلية، وقواعد بيانات لتحويل مشروع التعليم عن بعد إلى واقع ملموس.


تعليقات

محتوى المقال